تضيف هذه السلسلة إلى مشروع "ارتياد الآفاق" فضاء جديداً يساهم في بلورة الأفق الذي يتطلع
إليه المشروع. وإذا كان الانشغال الأساسي لنا منذ البداية تركز على المؤلفات التي وضعها
الرحالة والجغرافيون العرب والمسلمون لما أصاب هذا الأدب من إهمال كبير على مدار الأزمنة
الحديثة، فإن ذلك لم يمنعنا من التفكير بأدب الرحلة المكتوب في اللغات الأخرى بصفته
نتاجاً إنسانياً، ولا هو جعلنا ننطوي على ما حققته الثقافة العربية من إنجازات طوال 10 قرون
من النشاط المبدع في هذا الميدان، على رغم ثراء التجربة الجغرافية العربية. فليس من
الحكمة في شيء عزل المكتبة الجغرافية العربية عن شقيقاتها في اللغات الأخرى. وهذا ما حدا
بنا إلى التفكير بصورة مركَّزة، ومن ثم العمل على اختيار أعمال تنتمي إلى أدب الرحلة ذات
قيمة استثنائية، إنْ في اللغة التي كتبت بها، أو في العصر الذي ظهرت فيه.
اخترنا أن نستهل السلسلة بيوميات شاعر ألمانيا الأكبر جوته، لما تتميز به هذه اليوميات
من لغة أدبية رفيعة المستوى تبتعد بها عن ذلك النوع الشائع من اليوميات التي يكتبها
المسافرون عادة بينما هم يتنقلون في الأمكنة التي يزورون. جوته في يومياته لا يتنازل عن
شاعريته العالية، ولا يهتم بما هو أقل مما يلفت انتباه شاعر يتجول ويتأمل ويتفكر بالعقل
والقلب، وبجماع الحواس، بينما هو يمضي إلى غايته الإيطالية الأخيرة؛ روما.
كحاجٍ إلى أرض مقدسة يمضي جوته إلى كعبة الفنون الأوروبية، وبكرم الفنان المبدع يترك
لسجيته الملهمة وشغفه المعرفي أن يتحدثا عن خصال هذه المدينة. ولا غرو في ذلك فهو عارف
كبير بما يحتوي عليه مستودع السحر الفني، روما ..أرض الرفعة والخلاص الحضاري بالنسبة
إلى شاعر تلك الأزمنة.
بقلب خافق وروح متأهبة يستعد جوته للقاء المدينة المركز في قلب أوروبا، وبرهافة الشاعر
والفيلسوف معاً ينقل جوته انطباعاته إلى الورق.. في صور أدبية خالدة تعيد بناء صورة
فريدة لروما وأخواتها من مدن إيطاليا الدافئة القريبة من القلب.
محمد أحمد السويدي |