تهدِفُ هذه السلسلة من كتب الدراسات والأبحاث في الأدب الجغرافي إلى إثارة اهتمام أكبر لدى أبناء ثقافتنا بهذا الفضاء المتروك مقصورا على قلة من الدارسين وراء أسوار الأكاديميا، وإلى تجديد الانشغال لدى المثقفين والمبدعين العرب بموضوعات الأدب الجغرافي التي كاد قرن عربي من حصر الفكر بالأيديولوجيا أن يجعله بعيداً تماماً عن الأذهان.
ولعل من المهم بالنسبة إلينا في مشروع "ارتياد الآفاق" أن نشير إلى أن أحد أبرز حوافزنا لإخراج هذه السلسلة إلى النور هو ما لمسناه من حاجة ملحة لرفد نصوص أدب الرحلة التي أخذت تظهر تباعاً في سلسلة "مائة رحلة عربية إلى العالم" بأعمال بحثية ودراسات تشق لهذه السلسة الطريق إلى الذائقة بصورة أفضل، وتضيء في الوقت نفسه الآثار الجليلة التي أنجزها الرحالة والجغرافيون العرب والمسلمون على مدار أكثر من عشرة قرون هي عمر مجمل التيارات التي برزت في الأدب الجغرافي العربي، وجل هذه المؤلفات مجهول من السواد الأعظم من القراء العرب، بل ويكاد يكون غير حاضر بالصورة التي يستحقها في ثقافة بعض أفضل القراء العرب.
سيكون من شأن هذه السلسلة أن تعنى، على مستويات عدة، ومن زوايا نظر مختلفة، بشتى ما تثيره موضوعات الأدب الجغرافي المدونة بالعربية من تفكر وانشغال وبحث ومغامرة في طرح السؤال. وينطبق هذا على الدراسات التي ينجزها الدارسون بدءاً بأدب الرحلة، وحتى كتب الفضائل، مروراً بالمصنفات التي عنيت بالإثنوغرافيا والكوزموغرافيا والكارتوغرافيا والأقيانوغرافيا، وغيرها مما يدخل في باب الأدب الجغرافي في اتجاهاته المختلفة عبر العصور.
عندما نثير السؤال عن مقومات أدب الرحلة، فإن من شأن الدراسات المنتظرة أن تساهم في تفكيك الأسس التي نهضت عليها نظرة العربي إلى الآخر بعيداً وقريباً، وتقف على المشكلات العميقة التي تثيرها موضوعة الآخر في الثقافة، وذلك من خلال التشاكل مع الأسئلة المختلفة التي تثيرها النصوص المتراكمة عبر القرون.
وعندما نتحدث في الكوزموغرافيا، فإن عالماً مجهولاً من الانشغال بالكون والوجود سوف يتجلى لنا.
وعندما نتحدث في الإثنوغرافياً والكارتوغرافيا، فإن أنماطاً من الوعي بالعالم، بالشعوب والحضارات ينهض هناك. فنحن في صلب الحديث حول المسافات والأبعاد والحدود والمعالم لإنسان يتفحص موطيء قدميه على الكوكب، ويسعى جاهداً لإدراك معنى وجوده من خلال ما يدركه من اختلافِ الوجود المختلف لبقية أبناء السلالة البشرية، إن في مسائل الغيب أو في مواضعات الوجود.
وعندما نتحدث عن كتب فضائل المدن، وهناك من يستبعدها من الأدب الجغرافي، فنحن نتحدث عن أعمال تمزج بين الأدب والتاريخ في تركيزها على المكان المديني. وهي مستوى من مستويات انشغال الثقافة العربية بالمكان لا يقل شأنا عن غيره.
وعندما نتحدث عن الأقيانوغرافيا، فإن مسافات من الأمواه وعلاقات تفلسف الجدل بين الحضور والخفاء وبين المدرك في المنظر والمدرك بالفكر وقوة المخيلة مما يشكل تلك الزرقة اللانهائية التي شغلت الجغرافيين القدامي، والتهمت المغامرين من بحارة ومسافرين.
على هذه الخلفية ندعو في مشروع "ارتياد الآفاق" الدارسين العرب المعنيين بهذا الحقل، على اختلاف مرجعياتهم ومناهجهم في البحث، إلى إثراء هذا المسعى بأعمال البحث والتحقيق، لنتمكن معاً من استعادة الإرث الجغرافي العربي والإسلامي إلى خزانة الكتب العربية عبر وعي متجدد به، وبموضوعاته، وهو ما يساعد على ربط هذه المعرفة المنجزة بالمعرفة الجغرافية المعاصرة، وبالتالي تمكين القارئ من بناء تصورات حديثة حول أدب السفر وأدب العلاقة مع المكان، وهو ما من شأنه أن يبلور وعياً أفضل للإنسان بعالمه.

محمد أحمد السويدي